كتب// واصف عواضة
هي قضية كلمة فقط لو تفوّه بها الحسين سنة ستين للهجرة، لما كانت كربلاء، ولما كانت عاشوراء ،ولما كانت لها ذكرى ومجالس واحتفالات على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان.
بدأت القضية بوفاة معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية وأول خلفائها،بعد أن عقد لواء الخلافة لولده يزيد الذي يتفق معاصروه على أنه لم يكن أهلا لها .
أرسل يزيد بن معاوية إلى والي المدينة الوليد بن عتبة ليأخذ له البيعة من أهلها ومقدميها، وعلى رأسهم الحسين بن علي بن أبي طالب،بعد أن هجر المدينة إلى مكة عدد من كبارها تملصا من مبايعة يزيد ،وبينهم عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أول الخلفاء،وعبد الله بن عمر إبن الخطاب ثاني الخلفاء ،وعبد الله بن الزبير بن العوام.
أرسل الوليد بن عتبة في طلب الحسين وقال له:
“يا أبا عبد الله، إني أُدعوك لبيعة يزيد بن معاوية، فقد أمرني أمير المؤمنين (يزيد) أن آخذها عليك وعلى قومك.”
رد الحسين :
“إن مثلي لا يبايع سرًا، وإذا دعوت الناس إلى البيعة دعوتنا معهم، فيكون الأمر واحدًا.”
قال الوليد:
“إنما دعوتك الآن خشية أن تقع الفتنة، فبايع رحمك الله، فإن الأمر قد استُتب ليزيد.”
رد الحسين:
“أيها الأمير، إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومهبط الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، ومعلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله.”
قال الوليد
:نحن لا نطلب إلا كلمة. فلتقل ‘بايعت’ واذهب بسلام لجموع الفقراء… فلتقلها.. ما أيسرها، إن هي إلا كلمة.”
ردّ الحسين بحزم:
“كبُرت كلمة!
وهل البيعة إلا كلمة؟
ما دين المرء سوى كلمة؟
ما شرف الرجل سوى كلمة؟
ما شرف الله سوى كلمة ؟
ثم استرد الحسين معنى الكلمة:
“أتعرف ما معنى الكلمة؟
مفتاح الجنة في كلمة، ودخول النار على كلمة، وقضاء الله هو الكلمة… بعض الكلمات قلاع شامخة… الكلمة نور… الكلمة حصن الحرية… الكلمة مسؤولية… إن الرجل هو الكلمة… شرف الرجل هو الكلمة… شرف الله هو الكلمة.”
وهنا تدخل مروان بن الحكم الذي كان حاضرا بغلظة:
“فقل الكلمة واذهب عنا.”
أجابه الحسين مرة أخرى برفض:
“أتعرف ما معنى الكلمة؟ ..والله لو وضعوا الشمس في يميني لما بايعت!
وخرج الحسين وكانت كربلاء وكانت عاشوراء.وما تزال الكلمة تحفر في قلوب الناس وعقولهم ،يستلهمون كربلاء في كل مناسبة وفي كل قضية يقع فيها الظلم موقعا.
هي إذن “كلمة”، لم يقلها الحسين.. فثمة كلمة أخرى تقال.. ومن هنا نبدأ !!
عن “الحوار نيوز”
