غادرنا استاذي علي محفوظ رمال في لحظات موجعة وصعبة!

بقلم// جهاد أبوب

في أحلك الظروف الدامعة وأهلكها باغتنا خبر رحيلك…
وفي أصعب الأيام الجارحة، حملت حقائب أفكارك وغادرتنا تاركاً قصائدك الريفية المتحضرة، وأوراقك المتخمة بالتطلع والبوح ومشيت غير اسفاً على حياة بالية…
وفي لحظات موجعة وصعبة وخانقة ترسم وجودنا، وخلال قتالنا مع اعداء الله، خطفت انفاسك، وقررت الصمت العميق…
وما أصعب صمت الموت إن تكلم…
وما أقسى موت الأحبة إن باغتونا برحيلهم في زحمة انشغالاتنا بتشكيل حضورنا…
وفي زمن الخيانات يا استاذ علي رمال، يا من تحب لقب”الحج”، لم تتحمل افعالهم، ومشيت في طريق الحقيقة، تاركاً خلفك سيرة عطرة، وحكاية من ثقافة التنوير!
كان استاذي، ومعلمي، ومن فاض بمحبته لي، ميزني عن الزملاء في المرحلة الابتدائية، وأنا ذاك الطفل الباحث عن وجودي وحالي وفكري…لم يجامل إن ارتكبت الخطأ، ولكن أجمل ما فيه كاستاذ لا يثرثر خارج الصف بكلمة سيئة عن أطفاله تلاميذه على عكس حال اليوم!
أذكر في فصل الربيع في حصصه، كان أول من يطلب منا جميعاً مغادرة الصف إلى فضاء البرية، يدرسنا في ربوع بلدتنا “الدوير” الجميلة، ومن ثم غار منه جميع المدرسين، وأصبحت الحصص في الساعات الأخيرة تحت الشجر، وعلى صخور رسمنا عليها صورنا، ونحتنا اسامينا!
استاذي علي محفوظ رمال شخصية مركبة ثقافياً وغير معقدة، ومبتسمة فواحة بعطر الاحترام، وواثقة من مفرداتها…
استاذ علي لا يحب الخوض بما لا يفقه، ولا يجامل في إعطاء الرأي، ويفرح لنجاح طلابه بعد أن قطفوا من شجرة العمر زمانهم، ومساحات من وجودهم، وأنا واحد منهم!
هو مهذب وطيب وحاسم ورفيق…
وهو صافي ومبتسم وخلوق وانيق…
وهو مدرس من زمن لم تعد تشرق الشمس فيه وعليه…وهو من المؤمنين …
أكثر أوجاعه فقدانه لابنته الصبية، وهنا ضاق العمر، واختفت الأحلام، وبدأت روزنامة الأيام بالخطوات السريعة إلى خفوت موجع…
تغيرت حياته ولم تتغير اخلاقه، واختلفت مفاهيمه للحياة، ولم يختلف مع الحياة، وسافرت لحظات الوجود إلى المجهول، لكنه حافظ على حضور الاصدقاء، ولم يشعرهم بضيق وبتعب وبمرض واختلاف…
الاستاذ علي رمال معلمي الذي أحببت، علمني الحرف والف باء اللغة، وهو من زرع بذرة العلم، والنظر السليم، والرد المهذب، واناقة الثوب…
مدرسي علي محفوظ رمال قد رحل، ولكن صفحاته كتبت بماء الذهب…توجع في أيامه التي فُرضت عليه بعد غياب الأحبة، واليوم قد يرتاح في ربوع الرحمن العادل…هناك العدالة وليست هنا…

مقالات ذات صلة