رسالة نينوى: كفاكم رهاناً بيئة المقاومة عصية على الكسر
بقلم// خضر رسلان
كثيرة هي التواريخ والأحداث المهمة في حياه الأمم إلا أن ما حصل في العام 61 الهجري التي شهد ثورة الامام الحسين بن علي، وما حملته عاشوراء من دروس لا تُحصى، تتصل بكلّ أبعاد الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية، جسدت نموذجاً خالداً للإيثار والتضحية والصبر والشجاعة جعلتها حدثاً تاريخياً مستمراً أسّست لثورات وانتفاضات حصّنت فيها كلّ من حمل الفكر العاشورائي الحسيني سواء أكانوا جماهير أو ما تعارف على تسميته البيئة، ام كانوا ثواراً وقيادات حملوا راية الحسين في مقارعة الظلم والطغيان.
لا يختلف ما يجرى في عصرنا الحالي عما حصل من أحداث مشابهة في فترات متعددة من التاريخ حيث ابتداع الأساليب والفتن والترغيب والترهيب لفك عرى الاندماج الوثيق بين أبناء البيئة الحسينية المقاومة وقيادتها التي ما فتئت تلتزم الخط الحسيني المناهض لكلّ الطواغيت وحركات الاستبداد، ومثال على ذلك…
1 ـ ثورة العشرين التي كانت الحوزة العلمية في النجف الأشرف أبرز القائمين فيها حيث قادت جموع الناس مستلهمة من الثورة الحسينية مثالاً وقدوة ورغم إغراءات الغزاة البريطانيين لهم بتسليمهم السلطة في العراق وان يحوزوا على الامتيازات ومقدرات البلد شرط التسليم لهم بشرعية الوصاية على العراق، فكان الشعار الحسيني هو الردّ مثلنا لا يبايع مثلك ودفعوا ضريبة ذلك الإقصاء والتهميش معظم فترات القرن العشرين وتحديداً في الفترة الممتدة من بداية الغزو البريطاني حتي سقوط عهد صدام حسين.
2 ـ مؤتمر الحجير عام 1920، بمشاركة علماء من جبل عامل وثوّار أمثال أدهم خنجر وصادق حمزة، حيث ألقى العلامة الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين خطاباً نوعيّاً هدف إلى تثبيت الوحدة الوطنيّة بين اللبنانيين وتعبئة الناس ضدّ الاحتلال الفرنسي الذي قدّم الإغراءات الكبيرة والتي يتعمّد الكثيرين اغفالها حيث أبدى الفرنسيين استعداده في مقابل وقف حركة المقاومة ضدّهم أخذ الحظوة والمشاركة الفعالة بالسلطة الجديدة اسوة بغيرهم من الطوائف إلا أنّ الروح الحسينية التي ما بردت يوماً عن هذه البيئة رفضت التسليم للمحتلّ ودفعت ثمن ذلك إقصاء وتهميش مارسه من كان الأجدى بهم ان يكونوا شركاء في الوطن.
3 ـ انتصار الثورة الإسلامية في إيران قاد الإمام الخميني الراحل ثورة حملت عناوين الاستقلال والسيادة ومناصرة قضايا الحق في العالم وبعدما يئست قوى الهيمنة في العالم من إخضاعه رغم تقديم كلّ الإغراءات التي تسعى اليها فطرياً كلّ الأمم إلا أنّ الإمام الخميني والبيئة الداعمة له التي اتخذت من الثورة الحسينية شعاراً رفضت الانصياع والخضوع فشنوا على الدولة الفتية الحروب والتنكيل والحصار والعقوبات وبقيت بالروح الحسينية شامخة بل صنعت من الضعف قوة حتى باتت الجمهورية الإسلامية عصية على الكسر بل انها تقود محوراً يتقدّم يوماً اثر يوم في معركة استرداد الشعوب لكرامتها ولمقدراتها وأراضيها سواء منها المحتل عنوة او المسلوب والمنهوب.
4 ـ دحر الاحتلال الإسرائيلي من لبنان
عام 1982 اجتاح الصهاينة لبنان ووصلوا الى العاصمة بيروت وظنّ الكثيرون انّ لبنان تمّ إلحاقه بالركب الصهيوني الذي وقع اتفاقاً مشؤوماً عُرف باتفاق 17 أيار مع متواطئين لبنانيين اضطروا الى التنصل به بعد سريان هدير المقاومين رغم التهويل والتهديد والوعيد ومحاولة الترويج لفكرة انّ العين لا تقاتل المخرز التي لم تستطع خرق الحرارة الحسينية التي لم تبرد يوماً في بيئة هتفت هيهات منا الذلة ونجحت في بناء القوة والقدرة حتى دحرت الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 وأنهت مشروعه التوسعي عام 2006.
5 ـ رسالة الرئيس الإيراني المنتخب الى أمين عام حزب الله بعد انتخابات اعتاد عليها الشعب الإيراني والذي كان من المفترض ان يكون ذلك حدثاً عادياً وداخلياً بيد انه ونظراً لموقعية إيران ودورها المحوري في قيادة الجبهة المناهضة لقوى التسلط والاحتلال والهيمنة في الإقليم والمنطقة جعلت رهان هذه القوى على إحداث خرق ما داخل منظومة الحكم في إيران وإحداث تغييرات يستفيدون منها ولذلك رأينا الكثيرين سواء كان منهم دولاً او إعلاميين يهللون للرئيس الإيراني الجديد في رهان تمّ إحباطه سريعاً وعلى لسان الرئيس بزكشيان نفسه الذي بعث رسالة جوابية لأمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله حملت في طياتها التأكيد على ثوابت الجمهورية الإسلامية الداعمة للمقاومة والمناهضة للاحتلال والوقوف مع الشعوب المظلومة.
خلاصة القول لقد زرعت الثورة الحسينية عبر التاريخ أجيالاً نمت وترعرعت على رفض الذلّ والعبودية وعشقها لمقاومة كلّ غاز ومحتلّ والسياق التاريخي يبيّن بما لا يدعو للشك انّ جمرة الحسين ما انطفئت يوماً ووهجها الوقاد لا يمكن ان ينطفئ مدى الدهر بل انه يزداد تألقاً وإشعاعاً عام بعد آخر وبناء على ذلك كفاكم رهانات خاسرة على ضرب بيئة المقاومة سواء كان ذلك في الترغيب او الترهيب او الوعد والوعيد اتعظوا وافهموا انها بيئة عصية على الكسر…
عن صحيفة “البناء”