تنفيذ إتّفاق الهدنة مدخل للسّلام في الجنوب

بقلم// السفير د. هشام حمدان 

تثور مناقشات عديدة حول مصير الجنوب. تشمل الآراء أسوأ الإحتمالات، كإمكانيّة الإجتياح الإسرائيليّ، ومعاودة إحتلال الإسرائليّين للجنوب، وصولا إلى نهر اللّيطاني. وأكثرها تفاؤلا، هو وقف العمليّات العسكريّة، وتسوية النّزاع الحدوديّ.

وبكلّ الأحوال نرى، أنّ دور الحكومة هو للأسف، إستكماليّ بغية وضع اللّمسات الرّسميّة على أيّ إجراء يتمّ التّوصّل إلى اعتماده من قوى الأمر الواقع على الأرض.

من هم قوى الأمر الواقع؟

داخليّا، هم الثّنائي الشّيعيّ: حزب الله ذراع إيران العسكريّ، وحركة أمل ذراع حزب الله التّفاوضيّ. ومن الضّروريّ القول وبكلّ صراحة، أنّ حزب الله قبِل مشاركة حركة أمل له في “قيادة” ألحالة الجنوبيّة لدواع تخدم سياساته، وأهدافه. وسوف يتبدّل الحال، إذا لعبت حركة أمل أيّ موقف يؤذي هذه السّياسات، والاهداف.

هذا على الجانب الدّاخليّ. أمّا على الجانب الخارجيّ، فإنّ إسرائيل هي أيضا، قوّة أمر واقع بسبب دورها في الحالة القائمة في تلك المنطقة. دور إسرائيل ليس مطلقا، ولكنّه، ليس تابعا. هناك الولايات المتّحدة ألتي لها تأثيرها الكبير على القرار الإسرائيلي وعلى مجمل الحالة في الجنوب.

تحاول الولايات المتّحدة دائما، لعب دور الوسيط. تؤكّد في كلّ مناسبة، أنّها وسيط محايد. وهي بالطّبع، وللأسف، ليست محايدة، إذ تغلب المؤثّرات السّياسيّة الدّاخليّة فيها، على صناعة قراراتها، ومواقفها في المنطقة.

تلعب الولايات المتّحدة دور الوسيط بالنّسبة للحالة في الجنوب، لكن، ليس كوسيط بين حكومة لبنان، وإسرائيل، بلّ كوسيط بين ايران وإسرائيل. ففي المحصّلة، فإنّ إيران، هي التي تدير الحرب في مواجهة إسرائيل.

ثمّة تقاطع بين قوى الأمر الواقع يتناول موضوع إتّفاق الهدنة. فلا إسرائيل تريده، ولا حزب إيران. ولذلك، أمكن بسهولة، ألتّوصّل إلى اتّفاق ترسيم الحدود البحريّة، بإعتماد الخطّ الأزرق الأمنيّ. لم تهتم إيران أن يدفع هذا الأمر إلى خسارة لبنان ثروة نفطيّة كبيرة، طالما أنّ دور حزبها العسكريّ، بأذرعه المختلفة، مستمرّ بقوّة.

ولم يراع زعيم حركة أمل، (رئيس المجلس النّيابيّ، وحارس الدّستور)، بدوره، الخسارة الوطنيّة للبنان، طالما استمرّ الصّوت الدّبلوماسيّ، والتّفاوضيّ لحزب إيران. فلعب دوره المطلوب .

كانت أميركا سعيدة للتّوسّط في هذا الأمر ألذي أسعد إسرائيل، وأرضى قادات واشنطن السّياسيّين، كما أرضى إيران، ولم يغضب حكومة لبنان. أمّا ألشّعب، فلا صوت ولا دور له. فالدّيمقراطيّة، أسيرة الزّعامات المذهبيّة ألممسوكة أميركيّا، وغير غاضبة على تلك الخسارة.

بداية عودة السّيادة، تفرض التّمسّك باتّفاق الهدنة، لأنّه القاعدة القانونيّة الثّابتة في إدارة الحالة الجنوبيّة بوجه إسرائيل. كلّ القرارات الأخرى ألصّادرة عن مجلس الأمن، تستند إلى هذا الإتّفاق. وبمعنى آخر، لا يمكن تنفيذ القرار ١٧٠١، اذا لم يسبقه تأكيد، على أنّ الحدود الدّوليّة بين لبنان، وإسرائيل، هي تلك المعترف بها دوليّا عام ١٩٢٣، والمؤكّدة في اتّفاق الهدنة.

ألمطالبة بتنفيذ اتّفاق الهدنة هو حاجة وطنيّة لحماية الحقوق، والثروات الوطنيّة، ولإقامة نظام أمن وسلام دائمين في الجنوب. يساعدنا هذا الأمر أيضا، على المطالبة في أيّ وقت لاحق، باسترداد حقوقنا المشروعة في ثروتنا النّفطيّة الضّائعة.

ألسّلام، والأمن في الجنوب، هما مدخلان أساسيّان لبناء السّلام بعد النّزاع في لبنان، من خلال تسهيل تطبيق البنود الإصلاحيّة في اتّفاق الطّائف.