الدركي الفقير يموت انتحاراً ولا من يسأل؟

بقلم// غسان حجار 

في الحياة فروق اجتماعية تبعاً للحسب والنسب والمنصب والثروة والنفوذ، وفي الموت لا يختلف الامر كثيراً. يموت الفقير فلا يهتم كثيرون لموته، وعندما يموت الثري وصاحب السلطة والنفوذ، يتقاطر المعزون من كل حدب وصوب. وسائل التواصل الاجتماعي اتاحت للفقراء اعلان الوفاة بعدما كان الامر متعذراً عليهم بسبب تكلفة اعلانات الوفيات والتعازي في المرحلة التي سبقت التطور التكنولوجي والذي، وان فتح مجالات التعبير من دون قيود صارمة، الا انه ايضا فتح المجال لتعابير سيئة ومشينة وغير اخلاقية تحت اسماء مستعارة، واطلق الاحقاد الدفينة والغرائز من عقالها.

صحيح ان الموت في جوهره واحد، وهو ربما انتقال الى مكان ما، لا يمكن الاجماع حول طبيعته، لكن التعامل الاجتماعي مع الموت ليس واحدا. يشعر الغني احيانا انه ميت بسرور لان مراسم التعزية ووفود المعزين والكلام الذي يقال فيه علناً والقصائد التي تتغنى به، تكاد تغريه وتعزيه ولو في الممات.

والموت يختلف ايضا وفق الشكل. أهي وفاة طبيعية، لعجوز، او لشاب، ام قتل، ام انتحار، ام استشهاد رغم الضبابية في الوصف والجدل حول التوصيف وتصنيف الشهداء.

مرد هذا الكلام الى ما قرأته للعميد منير عقيقي عبر صفحته على “فايسبوك” معلقاً على حادثة الاعتداء على السفارة الاميركية في عوكر، والاهتمام بمعرفة هوية المهاجم المصاب، وتحليل شخصيته، والسؤال عن دوافعه الى القيام بهذا العمل، وبين دركي لم يعرف احد اسمه حتى الساعة، حتى ان بيان قوى الامن اشار اليه من دون اعلان اسمه. عنصر في قوى الامن الداخلي يعمل ضمن فريق حماية السفارات في حرم السفارة السعودية في بيروت، وقد دخل غرفة الحرس واطلق النار على نفسه. الارهابي لم يمت. الدركي مات. ولم يهتم احد به وبالسؤال عنه وعن الاسباب القاهرة التي دفعته الى الانتحار، وما الذي سيحل بعائلته من بعده.

بدا الارهابي اهم من عنصر قوى الامن الذي نشيد به وبأمثاله ليل نهار، لانهم حماة الوطن ورمز الشرعية. تماماً كما يقال للمعلم انه كاد ان يكون رسولا، فاذا به مضطهد، جائع، ذليل.

اعود الى العميد منير عقيقي الذي كتب الاتي:
أقدم صباح الأربعاء ٥ حزيران ٢٠٢٤ عنصر في قوى الأمن الداخلي على الإنتحار عبر اطلاق النار على رأسه من مسدسه الأميري، داخل مركز عمله في السفارة السعودية في بيروت.

ترافق هذا الحادث مع خبر إطلاق النار على مبنى السفارة الاميركية في عوكر في لبنان.

لفتني ان احدا لم يسأل لماذا انتحر الشاب، وكان الاهتمام الاعلامي والسياسي وحتى الشعبي، مركزا على حادث السفارة، وهذا أمر طبيعي.

لكني اسأل بمرارة: كم من شبابنا سيحذون حذو هذا الشاب بسبب الازمة المعيشية وغلاء الاقساط المدرسية، وفاتورة الطبابة والسكن والتنقلات والكهرباء والمياه والمولدات، عدا زيادة الرسوم والضرائب المفروضة من دون دراسة علمية، او جدوى اقتصادية واجتماعية، ومن دون تأمين مقابل على مستوى قيمة الرواتب التي تتضاءل وتذوي امام تضاعف الرسوم والضرائب واللائحة تطول.

شبابنا وشاباتنا يشعرون بالموت كل ساعة ولا احد من المسؤولين في السلطات يسأل عنهم كأنهم غير معنيين بهم. ربما لديهم اهتمامات اخرى!

“النهار”

مقالات ذات صلة