الهجرة واللجوء قضية جوهرية في حسم خيار الناخب الأوروبي/ محمد اسعد

محمد أسعد*
ما زال تناول انتخابات البرلمان الأوروبي يشكل تحدياً للرأي العام الأوروبي في فهم تركيبته وتفاصيله. يسهل الاستدلال على ذلك من نسبة المشاركة في انتخابات عام 2019 التي لم تتخطى عتبة الخمسين بالمائة.
تفصلنا أسابيع معدودة عن الانتخابات التي ستجري ما بين السادس والتاسع من حزيران المقبل. وهي حدثاً استثنائياً، حيث يعتبر البرلمان الأوروبي المؤسسة الدولية الوحيدة المنتخبة بشكل مباشر من قبل الناخبين. يتكون البرلمان الأوروبي من سبعة وعشرين دولة، تضم ما يقارب أربعمائة وخمسين مليون شخص، يدعون الى التصويت كل خمسة سنوات، على نظام التمثيل النسبي، حيث يتم تخصيص عدد معين من المقاعد لكل دولة عضو بحسب عدد سكانها، أكبرها ألمانيا بنسبة ستة وتسعين ممثلاً وأصغرها قبرص بستة ممثلين .
تشكل هذه الانتخابات امتحاناً صعباً للحكومات الاوروبية، فهي بمثابة مقياس لمدى رضا الناخبين عنها، فإذا كانوا راضين أوصلوا مرشحيها إلى البرلمان الأوروبي، وإن لم يكونوا راضين اختاروا انتخاب أحزاب المعارضة.
دولياً، ستؤثر هذه الانتخابات على تشكيلة البرلمان الأوروبي القادم وبالتالي على البت بمجريات أمور كثيرة، انطلاقاً من الحرب في أوكرانيا، العلاقة مع روسيا، إضافة الى مستقبل سياسة الدفاع الأوروبي المشترك وصولاً الى إمكانية ضم دول جديدة للاتحاد، مثل: تركيا، أوكرانيا، ومولدافيا. كذلك تعد قضايا المناخ، الذكاء الاصطناعي، الهجرة واللجوء مواضيع شرع البرلمان الحالي قوانينها وسيشهد البرلمان القادم إما على نجاح تنفيذها أو تعسر تطبيقها. ومن الملفت بروز موضوع الهجرة واللجوء الى الواجهة، فتبعته لا تقتصر على الدول الأوروبية فحسب، إنما تصل الى العالم العربي وخاصة لبنان. فزيارة رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين مع الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس، خلقت موجة استهجان لدى أغلب نواب الكتل اللبنانية الذين اعتبروا هبة المليار يورو بمثابة رشوة للبنان، هدفها فقط حماية أوروبا من الهجرة غير الشرعية عبر البحر.
في السياق عينه، كان البرلمان الأوروبي قد صدق على ميثاق الهجرة واللجوء الذي نصَّ على استحداث مراكز حدودية لاحتجاز المهاجرين غير النظاميين أثناء درس طلبات لجوئهم، على أن تُسرّع كذلك عمليات ترحيل المرفوضين من دخول الاتحاد الأوروبي، وذلك قبل الانتخابات الذي من المتوقع أن يحقق فيها اليمين المتشدد مكاسب على حساب قوى الوسط واليسار، مع إقبال اكبر للناخبين بحسب استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة “إبسوس”. وتعد قضية الهجرة واللجوء المسألة الجوهرية في حسم هذه الانتخابات بعد أن استغل اليمين المتشدد ترويج لخطاب معادٍ للمهاجرين، أدى إلى تنامي مشاعر القلق والخوف في المجتمعات الأوروبية.
إلى جانب قضية الهجرة واللجوء، متغيرات ومنعطفات عدة ستؤثر على تصويت الناخب الأوروبي لمن يمثله، انطلاقاً مما شهده البرلمان الحالي من أحداث، مع مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، مروراً بجائحة كورونا، ثم حرب روسيا في أوكرانيا وصولاً إلى الحرب الدائرة اليوم في فلسطين.
*صحافي لبناني مقيم في السويد