قصتي مع الحاج محمد رعد

كتب ابراهيم عوض
كنتُ مسؤولًا عن تجهيز مكاتب صحيفة “الشرق الأوسط”، التي تتبع لـ”الشركة السعودية للأبحاث والنشر” ،في بيروت في بداية عام 1995 بعدما حصلنا على ترخيص لإصدارها في لبنان، وهي تُطبع وتُصدر في ثلاث عشرة دولة عربية وأجنبية.
كانت مكاتب الشركة موجودة في جدة ولندن، وتم تعييني مديرًا لها بعد أن قضيت خمسة عشر عامًا في مكتبها الرئيسي في لندن كمدير لتحرير مجلة “المجلة”، التي تعتبر شقيقة لصحيفة “الشرق الأوسط”.
في بيروت، كان لا بد من الحصول على ترخيص لطباعة الجريدة وتوزيعها، وتعيين مدير مسؤول لها، وهذا ما قمت به.
تمثلت مشكلتي عندما دخل اثنان من قوى الأمن الداخلي الى مكتبي وأبلغاني بمذكرة لحضور جلسة في قصر العدل أمام قاضي التحقيق. الدعوى كانت مقدمة ضد الصحيفة من قبل “حزب الله” والنائب السابق سعود روفايل.
كانت الصحيفة لم تصدر بعد، وقمت بالاستفسار عن الموضوع واستشرت الزميل نهاد المشنوق الذي كان مستشارًا للرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي بدوره استشار الزميل الراحل مصطفى ناصر الذي كان قريبًا جدًا من الحزب.
أخبرني الزميل نهاد أن الدعوى تتعلق بخبر نُشر في “الشرق الأوسط” قبل وصولي إلى لبنان يتهم فيه النائب روفايل بشراء أسهم في “سوليدير” ويربط هذا الأمر بـ”حزب الله”.
اعتبر الخبر إساءة له وتشهيرًا به، ومن هنا جاءت الدعوى المذكورة. وبما أن نشر الخبر حصل من لندن، وحين لم يكن هناك مدير مسؤول للصحيفة في لبنان، فكان من المتعذر ملاحقة الجريدةهناك ريثما تأتي إلى بيروت ومعها المدير المسؤول الذي هو كاتب هذه السطور.
لمعالجة الموضوع، اقترحت التواصل مباشرة مع الحزب، الذي لم أكن أعرف أحدًا منه. وتم ترتيب موعد لي بواسطة الأخ مصطفى ناصر مع النائب الحاج محمد رعد لمناقشة الأمر.
لا أخفي أنني تهيبت الموقف، لكنني كنت متحمسًا للقاء، وهذا ما حدث. استقبلني الحاج محمد بود وبوجه باسم أراحني قليلاً، ثم دفعني إلى طرح المزيد من الأسئلة حول الدعوى المذكورة، فأجبت بأن “الشرق الأوسط” كانت” تُلطّش” بالحزب وتفبرك أخبارًا كاذبة، ولذا كان لا بد من وضع حد لها.
هكذا أخبرني الحاج محمد لكن بهدوء ملحوظ، وكان ردي أن كل ما نُشر لا علاقة لي به، إذ لم أكن أعمل في “الشرق الأوسط” حينها. أما الآن، فأنا مديرها المسؤول وأتمنى عليكم “محاسبتي” إذا ما نُشر أي خبر كاذب عنكم وعند الامتحان يُكرَم المرء أو يُهان.
نظر الحاج محمد الي وقال: “فليكن كذلك.. سنتراجع عن الدعوى ونرى.”
موقف الحاج محمد هذا ترك في نفسي أثرًا إيجابيًا. رحت أشكره من قلبي وأخبرته أنني معجب ومحب للمقاومة، التي تهز الكيان الإسرائيلي، وأنا نشأت في أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
أثنى الحاج محمد على كلامي وتمنى لي التوفيق في عملي، مشيرًا إلى أنهم جاهزون لأي مساعدة متى أحببت.
لم أعرف كيف أجيب على هذه الكلمات المشجعة، فقمت بطبع قبلة على جبينه.
منذ ذلك التاريخ في العام 1995، وأنا أُسعد عندما ألتقي الحاج محمد رعد، هذا الإنسان الطيب الرصين والشجاع والحكيم. أتتبع مواقفه وتصريحاته، ليس كإعلامي فقط، بل لأنني أحترمه وأعتز به، وهو الذي وثق بي منذ اللقاء الأول.