الإستكانة الذاتية
بقلم// د. طلال حاطوم
استفزّني استفسار صديقي النقيب جورج سولاج الذي حمل عتاباً مبطناً: من فترة لم تكتب مقالاً؟ حاولت الهرب بادعاء انّ الوقت لا يسمح!
واقع الحال أنني غصت إلى أبعد ما يمكن في ثنايا الذاكرة لأبحث عن سبب للكتابة ـ لا الابتعاد عنها ـ حقيقة وصلت إلى قناعة انّ ضمور الكلمة سببه ـ ربما ـ حالة من الاستكانة الذاتية الناتجة من جدوى الكتابة.
اقرأ كل يوم كثيراً من التحليلات التي يُحبّر أصحابها النقيض لها في يوم آخر، دون ان يرف لهم قلم.
غالباً يعزون الأمر إلى (متغيّرات) طرأت على صورة المشهد السياسي، او الأدبي، او الاجتماعي او الاقتصادي، فتبدّلت القناعات وتغيّرت النصوص والمفاهيم واقتضت مصطلحات تناسب الحال.
على ما أعلم ـ وهو قليل نسبة إلى (انسكلوبيديا) المعرفة عند صحافيي اليوم العظام ـ انّ ما يُطلق عليه (ستاتيكو) لم يتبدّل لعلة التعنّت والنكد السياسي والإصرار على عدم السير بالحلول؟
هل تنفع الكتابة ـ بعد ـ في هذا الزمن الرديء؟ وفي بلد ينام أهله على ضيمهم، ويكثرون الدعاء ولا قطران؟
في الأحوال كلها، وإذا كان لا بّد من الكتابة فهي صرخة في برّية الوطن الذي يئن من ظلم بعض من وصلوا إلى مراكز تسمح لهم بالتنمّر والاستعلاء، ويدّعون حرصاً على مصالح موهومة للوطن، وهي بحت خاصة بهم وحدهم.
صورة المشهد السياسي على الرغم من كل المحاولات التي قد يكون بعضها جاداً ومطلوباً، تصل دائماً الى جدار مسدود عند البعض بطوب من الطائفية والمذهبية والشعبوية، وكأنّ الحل يقف على أبوابهم، ولا يُؤذن له بالدخول ما لم يحمل في رياحه ما يحقّق طمعهم وجشعهم ونهمهم لسلطة لا تدوم الاّ بضع هنيهات.
صديقي جورج، حاولت غير مرّة ـ وانت ايضاً ـ وضع الحبر على كلمة الحق ودعوة أصحاب الرأي الى التموضع في مكانهم الصح إلى جانب هموم الناس وبلسمة آلامهم ولو بكلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، لكن لا حول… جفّت جذور النص وأصابها القحط ولا من يسقي…
هل المطلوب أن نيأس من وطن لم نبخل عليه بالدماء؟ هل المراد ان نقف في لجة بحر متلاطم الموج ونقول مع سيوران: كل المياه لونها الغرق؟ لا نعود نحن، وعندها لا نستأهل صفاتنا ولا مواقعنا ولا نؤدي ما علينا.
حتى الآن لا جديد يغري على الكتابة، ولا موضوع مجتراً يكفي.
يبقى أن: اعذرني في اللحظة الراهنة، لعلّ وعسى قريباً.