ما الذي يربطني بلبنان؟/طلال شتوي

أكثر من أي وقت آخر، ينتابني احساس عميق وحقيقي بانفصالي عن هذا الوطن المخادع الذي لم يفعل سياسيوه ومثقفوه وصحافيوه وشعراؤه وأثرياؤه، وبإصرار مريب، سوى تسهيل مهمة القوى الاقليمية والدولية، لتحويله ساحة شرهة للصراعات ترتع فيها شهوة متوسطية للعنف لا مثيل لها، وتتيح الفرص السانحة للمتسلقين لكي يمارسوا النهب والكذب والموبقات مرددين بمجانية عبارات فارغة عن الوطن الاستثنائي المليء بالتعقيدات والمتناقضات والقابل في كل لحظة لعطب من النوع القاتل.

ما الذي يربطني بلبنان؟

لا شيء.

ما الذي يربطني بالنشرات السياحية الساذجة عن امكان التزلج على الثلج والسباحة على الشاطئ في يوم واحد؟

ما الذي يربطني بالمفاخرة اللبنانية بما يمتلكه الوطن من كاباريهات وضيعة ومطاعم تقدم 36 صحن مازة ومخازن ثياب تبيع منتجات أوروبا وسهرات علب الليل التي يتقاسمها شقراوات محليات وأجنبيات واصطناعيات وخليجيون مغرمون بالوطن الرسالة؟

ما الذي يربطني بالصحافة الحرة التي تعتاش من الدول والسفارات وبعض الأثرياء مع الإدعاء الكاريكاتوري الدائم بالعظمة والريادة ونشر الحريات؟

ما الذي يربطني بأمراء الحرب والسلم الذين أفرغوا البلد من ناسه، بشكل متواصل، واستولوا بهمجية غير مسبوقة على مصائر من لم يهاجروا بعد؟

ما الذي يربطني بهذا البلد البربري الذي شوه مدنه وقراه وأغانيه ولهجاته وطرق عيشه طارحاً التقليد الرخيص اسلوب حياة ومتباهياً بالقشرة الغربية التي تغلف الأبنية والأفكار والشعارات، والذاهب بإرادة أبنائه الى أتون الدم والنار والدمار؟

مجدداً: لا شيء.

ما الذي يربطني بكل قيم الطائفية والعنصرية والشوفينية التي يرعاها سياسيون وقادة رأي ومواطنون جهلة ويستخدمون للتعبير عنها خطابا ركيكا مخجلا للمنطق واللغة والذكاء البشري؟

ما الذي يربطني بمجتمع ينقسم الى 3 فئات، فئة المنتفعين، وفئة الساعين الى الأنتفاع، وفئة الحريصين على عدم تضييع احتمال فرصة انتفاع في المستقبل؟

ما الذي يربطني ببلد نجح فيه الأثرياء الجدد، والمشبوهون هم واموالهم، في السطو على العمل السياسي، وهم لا يفقهون في السياسة سوى النظرية التاريخية الشهيرة وهي أن لكل انسان ثمنه في سوق النفاق؟

لاشيء، لا شيء!

مقالات ذات صلة