محنةُ الخليج بين ترامب وإيران

الرئيس الأميركي سَحَب البساط من تحت أقدام القمتين العربيتين بتأكيده أنه لا يريد الحرب ولا تغيير النظام الإيراني

====كتب سامي كليب

استخدمت القمتان العربية والخليجية في مكة وكذلك كلمة السعودية امس لهجة عالية ضد إيران، تفترض أن تبدا الحرب بعدها مباشرة خصوصا ان العاهل السعودي قال صراحة انه يجب وقف العدوان والارهاب الإيرانيين بكل الوسائل، وحصل على دعم من الرئيس المصري ومعظم الحاضرين باستثناء العراق.

هذا الكلام يفترض الحرب اذا، لكن الحرب مستبعدة، فماذا نستنتح؟

لو أن هذا الكلام الخليجي والعربي جاء قبل خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اليابان لربما أقلق المراقبين، ذلك انه يقدم غطاء سياسيا واسعا لأي عمل عسكري ضد إيران. لكن ترامب سحب البساط من تحت أقدام القمتين في موقف غريب ومريب، مؤكدا أنه لا يريد الحرب ولا تغيير النظام الإيراني وان إيران واعدة ويريد إعادتها إلى الأسرة الدولية بمجرد أن تقول لا نريد سلاحا نوويا…وطهران كما هو معلوم كانت قد قالت هذا مرارا مبررة ذلك بتنافيه مع عقيدتها وأخلاقها . كما أن الوكالة الذرية الدولية أكدت مرارا ان لا دليل على سعي إيران لإنتاج سلاح نووي ..

نحن إذا امام محنة خليجية كأداء، فالسعودية ترفع اللهجة إلى أقصاها ضد إيران وتجمع حولها عددا من الدول العربية ، وترامب يقول إنه لا يريد حربا، ويسعى إلى التفاوض، حتى ولو أن صقور إدارته يحثونه على الحرب.

المشهد ليس جديدا. ففي كل مرة تصل ذروة التأزم إلى أقصاها بين إيران والسعودية، يأتي الخذلان من الحليف الأميركي. حصل هذا مع معظم العهود الأميركية السابقة ويحصل الآن.

ثم إن الوجه الآخر للمحنة الخليجية يكمن في أن إرتفاع اللهجة ضد إيران، لم يمنع طهران من التمدد أكثر في العمق الجغرافي والمحيط العربي لدول الخليج، ولا منعها من تطوير أسلحتها ومساعدتها حلفائها لتقوية شوكتهم من العراق إلى اليمن وسوريا فلبنان وصولا إلى فلسطين.

يشعر حلفاء إيران الموسومون بالإرهاب خليجيا بان قوتهم هي في ذروتها حاليا. هذا مثلا أمين عام حزب الله يهدد ب”إبادة إسرائيل وآل سعود” على حد تعبيره اذا تم الاعتداء على ايران، ويؤنب الرئيس سعد الحريري على موافقته على بنود قمة مكة. هذا يعني اننا سنرى لا شك رفعا لمستوى اللهجة والآداء من قبل الحزب في لبنان لتذكير الحريري بحدود حركته.

اما المحنة العربية للسعودية وحلفائها فلا تقتصر على موقف العراق الذي رفض تبني البيان الختامي لقمتي مكة بذريعة انه لم يُستشر، وإنما تتمحور حول حقيقة المواقف العربية، ذلك أن معظمها يدعم السعودية في القمم ويبعث برسائل ود لإيران من خلف ظهر الرياض. لو كُشفت الرسائل لأحدثت فضيحة خصوصا لجهة الكلام عن الرياض وأبو ظبي .

ثم تأتي المحنة الكبرى الآن مع الضغوط الهائلة التي يمارسها جاريد كوشنر وغلاة الصهاينة في الإدارة الاميركية وإسرائيل على الدول الخليجية وبعض الدول العربية للبدء بالمسار الاقتصادي لصفقة القرن قبل الإعلان الرسمي عن الشق السياسي… لا شك أن إيران تنتظر بفارغ الصبر إقدام خصومها في المنطقة على تبني هذه الصفقة لتتمتع بأهم راية ترفعها في المنطقة، اي دعم المقاومة ومناهضة إسرائيل . ففيما كانت القمم تهدد كانت إيران وحلفاؤها يحتفلون بيوم القدس العالمي. وهم تعمدوا تكثيف الدعوات لبعث رسائل إلى الخليج وأميركا قبل لقاء البحرين.

لو اضفنا إلى ذلك موقف فرنسا المفاجيء والذي طالب السعودية والإمارات بما وصفته باريس ب “الحرب القذرة في اليمن ” وهو موقف يعبر عن مناخ أوروبي عام حيال اليمن، فقد يبدو المشهد غير مريح للسعودية وحلفائها.

اما إسرائيل التي تعمل ليلا نهارا لتشجيع صقور إدارة ترامب على الحرب، فهي في وضع سياسي داخلي مضطرب، لا يوازيه سوى اضطراب العلاقات الصينية الأميركية …

 

أمام هذا المشهد يسأل المرء، ماذا بعد القمم الخليجية؟ بالسعودية والإمارات يتعرضان لهجمات الحوثيين على مياههما واراضيهما ردا على الغارات المستمرة على اليمن منذ ٤ أعوام ، والقمم تضامنت وقالت إنها لن تقبل استمرار ” هذا العدوان المدعوم ايرانيا ” فماذا ستفعل؟ …

ربما لا شيء

المحنة فعلا كبيرة.

مقالات ذات صلة